محددات السلوك الإنساني
كلما تقدَّم الطفل الإنساني في مراحل النمو المختلفة، يتم ملاحظة حدوث تغيرات في جوانبه السلوكية والجسمية، فجسم الطفل ينمو بحيث يصير أكبر من ذي قبل، كما أن قدرات جسمه تصبِح أقوى ويصبِح قادرًا على إجراء استجابات أكثر تركيبًا وتعقيدًا، ويمكِنه حل المشكلات الأكثر تعقيدًا، إلى جانب أن ميوله وقدراته واتجاهاته تنمو بشكل مختلف.
وتنقسم محددات السلوك الإنساني إلى:
نماذج السلوك، المحددات الفردية للسلوك، ويمكِن تناولها كالتالي:
نماذج السلوك: إن السلوك الإنساني هو أحد أهم المحددات الرئيسية لكفاءة الإدارة والإنتاجية، وأهداف العمل الإداري تتحقق بواسطة الإنسان ومن خلاله؛ فالتخطيط مثلًا يتبلور في الاختيار بين بدائل، وكفاءته ومضمونه يتعلقان بمستويات وكفاءة الأفراد القائمين عليه، والتنفيذ يرتبط بالأفراد من حيث خبراتهم وكفاءاتهم، وكذلك الأمر في الرقابة والاتصال، وعليه تصبِح نتائج العمل الإداري مرتبطة بالإنسان، وبالتالي فإن دراسة السلوك الإنساني دراسة علمية وتحليل وفهم محدداته من الموضوعات المهمة في الإدارة المعاصرة، وفيما يلي عرض موجز لنماذج السلوك الإنساني:
نموذج السلوك الفردي: يركز هذا الأنموذج على المتغيرات الداخلية أي عناصر التكوين الذاتي، ويتكون من ثلاثة أجزاء، وهي: المؤثر، تكوين الفرد، السلوك أو الاستجابة؛ وقد زوَّد الله –سبحانه وتعالى- الإنسان بحواس منظورة وغير منظورة يلتقط بواسطتها المؤثرات الخارجية، حيث تتفاعل تلك المؤثرات مع التكوين النفسي والاجتماعي والحضاري للفرد لتؤدي إلى سلوك، وقد تختلف طبيعة هذا السلوك من فرد إلى فرد آخر لأن آلية التفاعل تظل مجهولة بحيث يَصعب القول أن مؤثرًا معَينًا يفضي إلى سلوك معَين، إذ يسفرالمؤثر الواحد عن ردود فعل مختلفة.
نموذج السلوك بين فردين: يضيف هذا الأنموذج أثر المتغيرات الخارجيةكالعالم المحيط بالفرد والمواقف التي يواجهها أو يتعرض لها وأنماط العلاقات مع الآخرين كنمط القيادة وأسلوب الإشراف، وبالتالي يصبِح سلوك الأفراد بمثابة مؤثر؛ فإذا كان الفرد الثاني انفعاليًا فإن سلوكه قد يثير الفرد الأول إلى مستوى الانفعال، إلا إذا كان تكوينه الذاتي النفسي والاجتماعي والحضاري أقوى أثرًا.
نموذج سلوك الجماعة: يمثل هذا النموذج تفاعل الفرد مع أعضاء المجموعة، ويَعكس سلوكه في إطار العلاقات داخلها، وما تفرضه من قيود أو تقدِّمه من فرص، كأعضاء مجلس الإدارة أو مجموعة العمال في مصنعٍ ما؛ ويتحدد سلوك الجماعة تبعًا لعلاقات التأثير المتبادل بين الأفراد وطبيعة التفاعل ونوع المشاعر والأنشطة.
- المحددات الفردية للسلوك: تنقسم إلى:
الإدراك: تبدأ عملية الإدراك بالتقاط المثيرات الخارجية بوساطة أدوات الاستقبال الحسية، حيث تنقلها على صورة نبضات عصبية إلى المخ لتولِّد الشعور بالمثير الذي يُعتبر إدراك جزئي، ثم يبدأ الفرد اعتمادًا على ما سبق أن اختزنه في ذاكرته من المعلومات بالمقارنة والاكتشاف والتصنيف وتحويل المشاعر إلى معانٍ.
الدافعية: يتباين السلوك من حيث الاتجاه والمدى والقوة تبعًا للدافع الذي يُعتبر بمثابة قوة محركة داخلية تتغير باستمرار، وإذا كان سلوك الفرد انعكاسًا جزئيًا لأفكاره، فإن ذلك لا يفسر السؤال: لماذا يتصرف الفرد؟ وتكمن الإجابة في الدافعية.
الاتجاهات: تمثل الاتجاهات تنظيمًا متناسقًا ومتطورًا يتم استنتاجه ولا يمكِن رؤيته، ويتألف من المشاعر والمفاهيم والقيم والميول، وهو يختلف عن الرأي لأن الرأي هو التعبير الشخصي عن الاتجاه، وتؤدي الاتجاهات وظائف للفرد من أهمها: الـتأقلم، الدفاع عن المصالح، التعبير عن القيم والمشاعر.
التعلم: قد يعزى السلوك إلى التفكير والإدراك والدافع، وربما يعزى إلى محدد آخر يتمثل في التعلم، لا سيما إذا مر الإنسان بمرحلة تعلم حيث يمثل التغير في الميل للاستجابة بتأثير ما اكتسبه الفرد سواء بالنسبة للسلوك المشاهَد أو المرئي أو غير المرئي المرتبط بالميول والاتجاهات، مع استبعاد تغيرات السلوك غير المرتبطة بالتعلم مثل تطورات النمو والنضج أو الحالات الظرفية كالإجهاد والشعور بالجوع مثلًا.
الشخصية: وجد بعض الباحثين أن الشخصية هي نظام افتراضي يُنسَب لشخصٍ ما بناءً على ملاحظة أنماط سلوكه، ووجد آخر أن الشخصية تمثل مجموعة من الخصائص التي يتميز بها الفرد والتي تحدد مدى استعداده للتفاعل، وأن تعبير الشخصية يرمز إلى كيفية تنظيم الأنماط السلوكية للفرد في نظام متكامل يميزه في تفاعله مع الآخرين.
الوراثة: قد وضح علماء الوراثة مدى تأثير الوراثة في نمو الطفل في جوانب كثيرة، حيث أن الوراثة تتحكم في العرض والطول لون الشعر والعينين والجلد،فمعظم الخصائص الفسيولوجية سواء الإيجابية أو السلبية لنمو الطفل تنتقل عبر الأجيال، وأيضًا تتأثر قدرات الطفل بالوراثة شأنها شأن الخصائص الجسمية، إلا أن ارتباط قدرات الطفل بالوراثة ليس بشكل دائم، حيث تتأثر القدرات الوراثية عادةً ويُعاد تشكيلها من خلال العالم الخارجي، ولكن الطريقة التي يتم بها ذلك الاختلاف والتباين ليست مفهومة إلى الآن بشكل قاطع.
النضج: يؤثر النضج على جوانب النمو المختلفة، سواء الجسمية أم السلوكية، وقد أكد معظم علماء نفس النمو أن معظم الأنماط السلوكية الإنسانية المختلفة تنمو عبر النضج، فالطفل عندما ينمو يغدو إنسانًا راشدًا، ويؤثر النضج على مختلف أنماط النمو الجسمية أو السلوكية، وقد أكد عدد من الباحثين أن أنواعًا سلوكية مختلفة تنمو عن طريق النضج.
التعلم: يعَد التعلم هو تغير شبه دائم في السلوك ناتج عن الممارسة والخبرة ويتمثل في تفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به، ويتفق علماء النفس على احتياج الأطفال إلى التفاعل الدائم مع مجتمعهم حتى يتمكنون من النمو بشكلٍ سوي، وقد أكدت الدراسات على أن الأطفال يتمكنون من تعلم طرق وأساليب الحركة في عمر مبكر، وقد أشار بعض الباحثين إلى أنه يمكِن التعجيلبالنمو الحركي للطفل من خلال تدليك عضلات الأطفال وعمليات التدريب، ويَحدث التعلم في حالة كون مكونات البيئة مرتبطة مع بعضها البعض، وذلك وفقًا لنظرية الإشراط الكلاسيكي، ويعَد التدعيم من أبرز المؤثرات في السلوك الإنساني، وهو أي مثير يؤثر في زيادة نسبة الاستجابة الفورية، مثل التغذية الراجعة للامتحان إذا كانت إيجابية فإنها تُعتبر تدعيم، وتنقسم المدعمات إلى أولية وثانوية، فالمدعمات الأولية هي الضرورية للحياة أو للبقاء مثل الطعام للجائع والمأوى للشريد، والمدعمات الثانويةهي المدعمات غير الضرورية للبقاء الحيوي مثل القبول الاجتماعي والنجاح.