العلوم السلوكية في البحث العلمي
يُعتبر مصطلحالعلوم السلوكية اصطلاح دخل حديثًا في التقاليد العربية حيث يَعود استخدامه إلى أكثر من عدة أعوام، رغم ذلك فهو قديم نسبيًا حيث يعبِّر عن مرحلة معَينة من مراحل تطور الثقافة النفسية تَعود إلى الأعوام السابقة مباشرة أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد ارتبطت هذه المرحلة بمنهجية خاصة ذات تقاليد محددة تدور حول التجديد الوضعي في أساليب المعرفة بالظاهرة الاجتماعية.
مفهوم العلوم السلوكية:
هي العلوم التي تبحث في سلوك الإنسان حين يستجيب لمواقف أو مثيرات معَينة تؤثر فيه، وتساهم هذه العلوم في فهم ذلك السلوك وفي تفسيره، كما تهدف إلى التنبؤ بإمكانية حدوثه مستقبلًا، مما يسهل عملية السيطرة عليه أو التحكم في حدوثه وتوجيهه.
خصائص العلوم السلوكية:
-العلوم السلوكية ثقافة حديثة نسبيًا، لم تَظهر وتتكامل إلا في خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، وعلى وجه التحديد خلال الربع الثاني من القرن العشرين.
-العلوم السلوكية ترتبط بتقاليد الثقافة الأمريكية، وأول مَن بدأ في الإعلان عن ميادين الثقافة الإنسانية "مدرسة شيكاغو".
-رغم أن كلمة العلوم السلوكية قد تتسع فتشمل جميع أنواع الثقافة الاجتماعية إلا أن التقاليد الجارية المعاصرة عندما تطلق هذه الكلمة يُقصد بها أساسًا تجميع تلك الثقافات المرتبطة بعلم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا تحت مجهر الحركة الاجتماعية في أوسع معانيها.
-وحدة التحليل التي تَدور حولها الثقافة السلوكية سواء بمعنى تجميع المعلومات أو بمعنى اكتشاف القوانين هي السلوك، أي العلاقة بين الفرد والوسط في محاولة الأول لأقلمة رغباته عندما يرتطم بالثاني، بهذا المعنى العلوم السلوكية تفترض اقتطاع قسط من المعرفة الاجتماعية والاقتصار عليها وترك ذلك الآخر الذي لا يدور حول السلوك.
-إن المنهاجية السلوكية تعني استخدام وسائل للتحليل مشابهة لما يتم استخدامه في العلوم الطبيعية أساسها الملاحظة والمشاهدة مع السعي نحو الصياغة الكمية للمفردات، وتطبيقالأساليب المعملية في أوسع نطاق، بمعنى أن العلوم السلوكية تَقوم على أساس فكرة البحث التجريبي حتى أن بعض التقاليد الأوروبية تستخدم اصطلاح علم النفس التجريبي بدلًا من اصطلاح العلوم السلوكية.
أهمية دراسة العلوم السلوكية:
-اكتسبت العلوم السلوكية أهمية خاصة خلال السنوات الأخيرة لدرجة جعلت جامعات العالم تشترط أن يَدرس طالب العلوم الطبيعية أو الهندسية أو الاقتصادية عددًا من المقررات في مجال العلوم الإنسانية كمتطلب رئيسي من متطلبات الدراسة، وتفسير هذا التحول بسيط وواضح، وهو أنه في زحمة مقابلة متطلبات التخصص تم الاهتمام بتزويد الطالب بمجموعة من الحقائق العلمية والمعارف التي تجعله ملمًا بالمادة وأحوالها والآلات وطرق تشغيلها وصيانتها والبرمجة التقنية والمعلوماتية، وتم نسيان الإنسان الذي تهدف تلك المواد والآلات والبرامج لخدمته، فالمهندس الذي يصمم مبنى جميلًا لا معنى له إذا لم يضع في اعتباره حاجات الناس الذين يستخدمون المبنى أو يقيمون فيه، وهكذا ظهرت الحاجة إلى ضرورة الاهتمام بالتعرف على هذا الإنسان وحاجاته ودوافعه ومحددات سلوكه، سواء كان مستعملًا لمنتجات العصر الحديث أو منتجًا لها أو له علاقة بها أو بمؤسسات إنتاجها أو استخدامها؛ وقد لبَّت العلوم السلوكية هذا النداء، وحاولت مقابلة تلك الحاجة الملحة عن طريق تقديم مجموعة من معارفها التي تعِين على تحقيق الأهداف المتوخاة من دراستها.
-مجال العلوم السلوكية يُعتبر أداة مهمة من أدوات الإدارة الحديثة، على أساس أن أي مسؤول إداري يتعامل بالدرجة الأولى مع مجموعة من الأفراد الذين تخضع تصرفاتهم ونشاطاتهم لأنماط السلوك البشري، ولما كان هذا السلوك في جملته هو محصلة لمجموعة عوامل عديدة منها مكونات الشخصية والدوافع والقيم والاتجاهات والميول والانفعالات والقدرات والمهارات، فإن أي مدير أو قائدجماعة سوف يكون بحاجةإلى فهم مختلف جوانب الشخصية الإنسانية ودوافع نشاطها من أجل أن يَكون قادرًا على تفهم سلوك زملائه ومرؤوسيه وضبطه والتحكم فيه وإمكانية التنبؤ بحدوثه؛ كما أن درجة التعقيد التي تَحدث بسبب استخدام الأنظمة التقنية الحديثة ومسائل التخصص يتطلب وجود مسؤول إداري ذي سمات مميزة من بينها القدرة على التعرف على حقيقة دوافع الأفراد وميولهم وتشخيص حاجات العاملين وتحديد مقابلتها.
-تعمل العلوم السلوكية على توجيه المدير أو المسؤول الإداري للاهتمام بالعنصر البشري والتركيز على تقييمه لضرورة إعطاء الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية مكانها اللائق بها في العمليات الإدارية، حيث أن سلوك أي فرد تحدده مجموعة عوامل في مقدمتها العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية والحضارية.
-يرى كثير من العاملين في مجال العلوم السلوكية أن الحقائق المستمدة من النظريات النفسية والاجتماعية تساهم في توفير المعلومات الأساسية عن طبيعة الأفراد وأنماط سلوكهم، سواء كانوا أفرادًا في القوى العاملة أو منتجين أو مستثمرين أو مساهمين أو مستهلكين، ومعرفة كيفية تأثير الأفراد على بعضهم البعض، وتفسير وتحليل مشكلات العمل، وكيفية وضع البرامج ورسم السياسات ذات الأثر في توجيه سلوك الأفراد بشكل إيجابي.
-أضافت العلوم السلوكية إلى مجال الإدارة أبعادًا جديدة مثل البعد النفسي والبعد الاجتماعي، وقدَّمت المنظمة على أنها نظام من التعاون يَجمع بين علمي النفس والاجتماع، ويهتم بحوافز الأفراد واحتياجاتهم وما يمكِن للمؤسسة تقديمه إلى جانب العامل الاقتصادي، كما اهتمت بالهيكل التنظيمي وبربط أهداف العاملين الشخصية بأهداف المنظمة وبتأثير كل منهما على الآخر، وضرورة فهم المشاكل الإدارية وتحليلها، ودراسة طرق تأدية الأعمال وآراء العاملين فيها، كما ركزت على ضرورة إلمام المسؤولين الإداريين بالمبادئ العامة للسلوك حتى يكتسبوا بعدًا جديدًا في فهم المشاكل التطبيقية في بيئة العمل، مثل مبادئ الدافعية والقيادة والسلوك والعلاقات الإنسانية.
-قد اهتمت الإدارة الحديثة بدراسة السلوك البشري بعد أن لعبت الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية دورًا كبيرًا في العمل الإداري، وأصبح عنصر العلاقات الإنسانية حاضرًا بقوة في درجة نجاح أو إخفاق المنشآت بمختلف أنواعها ومجالاتها، ومع أن المدارس الإدارية أو الاقتصادية بصورة أعم أخذت تميل إلى المناحي العلمية أكثر من غيرها لا سيما في المدارس الغربية التي تتعامل مع المنتج الاقتصادي (عامل، موظف) على أنه مجرد آلة منتجة ليس لها شعور أو إحساس، إلا أن السلوك الإنساني في مثل هذه التعاملات الإدارية والإنتاجية عمومًا لا يزال يشكِّل حضورًا مهمًا لا يمكِن إغفاله لتحقيق أي نجاح في مجال الإدارة والإنتاج وطبيعة العمل بصورة عامة؛ حيث أن العلاقات الإنسانية هي التي تحقق الأجواء التي تشجع على التعاون المثمر وتَصنع نوعًا من الألفة الإنسانية التي تدفع بالإدارة إلى التقدم الدائم.
أداة البحث في العلوم السلوكية:
تعَد الاستبانة أهم أداة بحث في العلوم السلوكية والبحوث الإنسانية والاجتماعية والبحوث في العلوم الطبيعية كالطب والهندسة والزراعة، وذلك للاستفادة منها في تجميع بعض المعلومات الضرورية لاتخاذ قرار طبي أو هندسي أو زراعي.
طبيعة القياس في العلوم السلوكية:
يعَد القياس هو عملية التعبير الكمي عن الخصائص والأحداث بناءً على قواعد وقوانين محددة، وعند قياس ظاهرة سلوكية أو نفسية مثلًا لا بد من تعريفها أولًا، وتحديد الفئة العمرية المعنية في تلك الظاهرة ثانيًا، والتعرف على مجمل الظروف التي قد تؤثر في تلك الظاهرة وتغير في مقدارها، أو في دقة قياسها ثالثًا، إضافة إلى أن ضرورة الوضع في الاعتبار أن الظواهر النفسية والاجتماعية لا تتمتع بدرجة عالية من الثبات والاستقرار كما في الظواهر الطبيعية.