النمو العقلي في مرحلة الطفولة المتأخرة
تُعتبر مرحلة الطفولة المتأخرة هي مرحلة الصفوف الثلاثة العليا من المرحلة الأساسية، أي الصف الرابع والخامس والسادس، وتشمل السنوات من التاسعة حتى الثانية عشرة من عمر الطفل تقريبًا، وتقابل المرحلة الثالثة في تقسيم بياجيه لمراحل النمو المعرفي، وتسمى مرحلة التعاونية، ويطلَق عليها أيضًا مرحلة "قبيل المراهقة"، وفيها يصبِح سلوك الطفل أكثر جدية على نحو عام، ويرى بعضهم أن التغيرات التي تَحدث على الطفل في هذه المرحلة تعَد تمهيد لمرحلة المراهقة وإعدادًا لها، وتُعتبر تلك المرحلة من وجهة نظر النمو أنسب المراحل لعملية التطبيع الاجتماعي.
مفهوم مرحلة الطفولة المتأخرة:
تمثل مرحلة الطفولة المتأخرة مرحلة تنفيذ للخبرات الانفعالية التي اكتسبها الطفل في مراحل عمرية سابقة،ويلاحَظ على الطفل تأثره بالضغوط الاجتماعية مما يحدِث له بعضًا من الأعراض العصبية والتي تؤدي به إلى الشعور بالخوف وعدم الأمن النفسي والقلق الزائد الذي بدوره يؤثر سلبًا على نموه الفسيولوجي وكذلك نموه العقلي والاجتماعي، مما يحتم على الوالدين والمربين مساعدة الأطفال في هذه المرحلة على ضبط الانفعالات والتحكم فيها وفهم وتقبل المشاعر تجاه الآخرين ونحو نفسه، كما تتضح أهمية إشباع الحاجات النفسية للطفل خاصة ما يتعلق منها بحاجاته للحب والأمن والنجاح والتقدير والانتماء للجماعة، وعلى الآباء والمربين تنمية مهارات الطفل وميوله نحو المشاركة في الأنشطة والقيام بالعمل من أجل حل الصراعات التي قد يتعرض لها أولًا بأول.
خصائص الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة:
-يسعى الطفل نحو تحقيق ذاته في هذه المرحلة، وقد يجد صعوبة في محاولة استقلاله عن سلطة الآباء، وهذا بدوره يؤدي إلى محاولة الطفل إخفاء ما يريد أن يفعله، ويميل الطفل إلى إرضاء أقرانه ولو كان ذلك على حساب عدم إرضاء ذويه.
-يكون لدى الطفل في هذا السن طاقة من النشاط تدفعه إلى تفريغها في اللعب مع الأقران خارج المنزل، ويجد في ذلك متعة كبيرة.
-يمتاز أطفال هذه المرحلة بشعور داخلي نحو ذواتهم، إذ يرون أنهم لم يَعودوا أطفالًا صغارًا، كما أنهم لم يصبِحوا رجالًا كبارًا، وقد يزيد من هذا الشعور لديهم عدم ثبات الآباء على مبدأ واحد في التعامل معهم، فهم إذا بكوا ردعهم الآباء بقولهم لستم صغارًا، وإن قاموا بعمل يَقوم به في العادة الكبار قالوا لهم لستم كبارًا لتفعلوا ذلك.
القوى العقلية التي تتضح لدى الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة:
قد أشار علماء النفس إلى أن الطالب في مرحلة الطفولة المتأخرة تتضح لديه القوى العقلية كافة من تذكر وتفكير وانتباه خاصة بعد سن التاسعة، ويمكِن تلخيص أهم مظاهر النمو العقلي في هذ المرحلة فيما يلي:
-الذكاء: يعَد الذكاء هو القدرة العقلية التي تساعد الفرد على حل المشكلاتوالتصدي للمواقف الجديدة، أي أنه القدرة على أن يعِيد الفرد تنظيم أنماط سلوكه حتى يتمكن من مواجهة المواقف الجديدة، وكذلك يؤثر الذكاء على العديد من العمليات، مثلالانتباه والإدراك والتفكير والتخيل، وبالتالي يتأثر حاصل الذكاء بهذه العمليات.
-التفكير: يستطيع الإنسان أن يستخدم الرموز واللغة بدلًا من الأشياء والمعاني، ويساعده ذلك كثيرًا على التفاهم مع الناس، ومن العمليات العقلية التي يستطيع الطالب القيام بها في هذه المرحلة تصنيف الأشياء في تسلسل وفق الطول أو الوزن أو غيرهما، وكذلك القدرة على إعادة الأشياء إلى ما كانت عليه في البداية قبل تغييرها أو تعديلها، كذلك بإمكان الطالب في هذه السن أن يتوصل إلى نتائج معَينة من مقدمات يتم إعطاؤها له.
-الانتباه: تزداد قدرة الطالب على الانتباه، كما تطول مدة هذا الانتباه وعمقه، ويتوقف مدى الانتباه على اهتمام الطالب بالموضوع الذي يتناوله، ومدى ملاءمته لحاجاته النفسية، ويصاحب نمو القدرة على الإبداع نمو مقابل في القدرة على التعلم والتذكر.
-التذكر: تعتمد عملية التذكر عند الطفل على القدرة على استنتاج العلاقات الجديدة بين الموضوعات المتذكرة، حيث يزداد التذكر لدى الطالب كلما تقدَّم به العمر، وهذا يدل على أن القدرة على التذكر تنمو بنمو القدرة العقلية الفطرية العامة.
خصائص النمو العقلي في مرحلة الطفولة المتأخرة:
-يكون النمو العقلي بطيئًا في هذه لمرحلة عن سابقتها.
-يبدأ الطفل في اكتساب القدرات وتعلم القراءة والكتابة والحساب.
-نمو الملاحظة والإدراك.
-نمو القدرة على الانتباه والتركيز، حيث يكون مدى انتباه الطفل في الصفوف الأولى في المدرسة قصيرًا، ويزيد مدى الانتباه تدريجيًا مع نمو الطفل، ويجب أن ينتبه المعلمون في هذه المرحلة إلى أن الطفل لا يستطيع أن يركز تفكيره لفترة طويلة.
-نمو القدرة على التذكر والتفكير، وينتقل التفكير في هذه المرحلة من التفكير الحسي إلى المجرد، وتتضح تدريجيًا القدرة على الابتكار والعمل المبدع، ويستمر التفكير المجرد في النمو.
-يصبِح الأطفال في هذه المرحلة أكثر استقلالية، وفي الوقت نفسه يحتاجون لإرشاد الكبار.
مظاهر النمو العقلي في مرحلة الطفولة المتأخرة:
-يطرد نمو الذكاء حتى سن الثانية عشرة، وفي منتصف هذه المرحلة يصل الطفل إلى حوالي نصف إمكانات نمو ذكائه في المستقبل.
-تبدأ القدرات الخاصة في التمايز عن الذكاء والقدرة العقلية العامة.
-تنمو مهارة القراءة، ويحب الطفل في هذه المرحلة القراءة بصفة عامة، ويستطيع قراءة الجرائد ذات الخط الصغير، كما يستطيع أن يقرأ لنفسه ما يجذب اهتمامه للقراءة، ويستثيره البحث عن الحقيقة والحاجة لفهم الظاهرات الطبيعية.
-يزداد استعداد الطفل لدراسة المناهج الأكثر تقدمًاوتعقيدًا، ويمكِنه استيعاب الدراسات الاجتماعية، ويزداد اهتمامه بأوجه النشاط الخارجة عن المنهج.
-يتحمس الطفل لمعرفة الكثير عن البيئة المباشرة، وعن بلده، وعن البلاد الأخرى، وعن العالم من حوله.
-يزداد لدى الطفل حب الاستطلاع، وقد وجد والاس ماووإثيل ماو أن الأطفال الذين لديهم حب استطلاع أعلى يكون مفهوم الذات لديهم أكثر إيجابية، وتَكون اتجاهاتهم الاجتماعية وتفاعلهم الاجتماعي أفضل إذا تم مقارنتهم بزملائهم الذين لديهم حب استطلاع أقل.
-يلاحظ الطفل النقد الموجه إلى الكبار والنقد الذاتي، والطفل إن كان يهتم بآراء وأفكار الآخرين إلا أنه بين الحين والآخر يتحدى هذه الآراء وتلك الأفكار في أسلوب جدلي.
-تَظهر الفروق الفردية بشكل واضح، خاصة في الذكاء والتحصيل، وتتأثر بالتفاوت في الخبرة المدرسية.
-يمتاز الذكور عن الإناث في الذكاء خاصة في التاسعة والعاشرة.
-يلاحظ الطفل أن اهتمام الوالدين بالتحصيل الدراسي والمستقبل العلمي للطفل أكثر في الطبقة الوسطى والعليا منه في الطبقة الدنيا، إلا أن الآباء في جميع الطبقات والمستويات الاجتماعية يعترفون تمامًا بقيمة المدرسة من الناحية التربوية.
الجوانب العقلية لمرحلة الطفولة المتأخرة:
بناءً على توصيفات بياجيه للنمو العقلي (الإدراكي) يمر الطف في هذه الفترة بمرحلة العمليات المادية، حيث تتركز الأنشطة العقلية على الجوانب الواقعية والملموسة، وتتسم تلك المرحلة بثلاثة جوانب رئيسة، وهي:
-البعد عن المركزية: حيث يصبِح الطفل قادرًا على التركيز على أكثر من جانب في المشكلة أو الموقف الذي يناقشه، فالطفل يستطيع الآن رؤية عدد المكعبات على الطاولة وملاحظة المسافات الموجودة بين هذه المكعبات بعضها ببعض.
-الحساسية للتحول: والتي تعني احتمالية وجود رؤى أو تصورات مختلفة لموضوع واحد، وتنمو قدرة الطفل في هذه المرحلة على جمع هذه التصورات معًا في تنظيم منطقي معَين.
-التحويلية في الأفكار: يتفهم الطفل أن بعض العمليات الحسابية يتم استخدامها في تكوين محصلات وأشكال جديدة عن طريق استخدام خطوات محددة.