التكيف النفسي والاجتماعي المرتبط بالتنمر
مقدمة:
نتكلم في هذا المقال عن التنمر الذي يعوق تكيف الفرد الاجتماعي والنفسي مع مختلف الأفراد في المجتمع، ذلك أن التنمر يعَد شكل من أشكال السخرية التي عن طريقها يرفض الفرد المتنمر ملامح فرد ما أو صفة من صفاته، ودائمًا ما يكون هذا من خلال استخدام بعض الكلمات السيئة، كما أنه يسخر منه قولًا وفعلًا، كما يمكِننا أن نصف التنمر بأنه أحد أشكال العنف الذي دائمًا ما يلجأ إليه بعض الأفراد الذين يرغبون دائمًا في استغلال إمكانياتهم في أذى الأفراد الآخرين الذين من الممكِن أن يكونوا أضعف منهم، والتنمر أيضًا يدخل في سياق العنصرية التي يتنمر خلالها بعض الأفراد على أشكال أفراد آخرين وطباعهم.
أولًا: التكيف النفسي والاجتماعي المرتبط بالتنمر:
يعَد سلوك التنمر هو نوع من أنواع العدوان تَظهر فيه حالة من عدم اتزان القدرة بين كل من الفرد المتنمر والضحية، وهذا يَحدث بشكل عام بين عدد من الزملاء، وسلوك التنمر قد يكون مباشرًا كالشتائم على سبيل المثال أو غير مباشر كتبادل الأحاديث والثرثرة والغيبة على سبيل المثال، ويَظهر هذا في مجموعة سلوكيات كثيرة مثل الإيذاء أو العدوان البدني أو العزل الاجتماعي، وأيضًا التحرش الدائم، مما لا يعطي للضحية اختيارات كثيرة.
يُعتبر سلوك الضحية بين الزملاء مشكلة كبيرة على مستوى العالم، ويُتوقَّع قبول ذلك السلوك، كما أن الضوء ليس مسلطًا عليه على الرغم من كونه سلوكًا مؤلما، ولكن كثيرين يعدُّونه مرتبطًا بالطفولة.
وتصريح العالم بخطر التنمر قد نتج عنه قيام الكثير من الباحثين بعمل أبحاث تتعلق بالأطفال المتنمرين، وأيضًا أبحاث تتعلق بالأطفال الذين تعرضوا للتنمر والذين يعانون بسببه من مشكلات عاطفية واجتماعية ونفسية التي قد تؤذيهم أكثر عند تقدُّمهم في العمر، والمتنمرون هم الأكثر عرضة للمشكلات الخارجية التي قد تتمثل في شرب الخمر أو الجنوح، في حين أن الضحايا هم الأكثر عرضة للمشاكل الداخلية التي قد تتمثل في الاكتئاب، والأطفال ضحايا التنمر قد يوصَفوا بأنهم غير قادرين على الشعور بالأمان وغير قادرين على تكوين الأصدقاء بالمقارنة مع زملائهم، كما أنهم يبكون سريعًا، ولا يشعرون بالأمان، ويتمتعون بنسبة عالية من الانسحاب والقلق، وقد يعانون من إحساس الخضوع والضعف الجسدي وضَعف التآزر الجسدي، كما أشارت مجموعة من الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يتعرضون بصورة مستمرة إلى التنمر هم الأكثر عرضة لعدم التمكن من حل مشاكلهم والمعاناة من الاستياء الداخلي.
ويمكِننا القول إن نسبة حوالي من 10 - 20% من ضحايا التنمر تقريبًا هم متنمرون أيضًا، وسلوكياتهم من وجهة نظر زملائهم تكون مزعجة مثل فرط النشاط والسلوك التخريبي والعدوان، كما أن هؤلاء الأطفال يشتركون مع الضحايا في الشعور بالكره من قِبل زملائهم والاكتئاب، كما أنهم يتسمون بالعدوانية مثلهم في ذلك مثل الأفراد المتنمرين، ويعانون من مشاكل في الاندفاعية والتركيز ومشاكل أكثر في الكتابة والقراءة بشكل أكثر من الضحايا سواء الأفراد ضحايا التنمر السلبيين أو الأفراد المتنمرين.
وبشكل عام، فالأطفال الذين يعَدُّون ضحايا يتمتعون بدرجة قبول أقل من زملائهم الذين لا يُعتبَرون من ضحايا التنمر، كما أن عائلات الضحايا يوصَفون بأنهم مرتبطون ببعضهم بالرغم من غضبهم من تعرض فرد منهم لهذا السلوك المؤلم.
وتتأثر جميع المجالات المتعلقة بحياة الأطفال الذين يتعرضون للتنمر بسبب أن هؤلاء الأطفال دائمًا ما يشعرون بأنهم غير محبوبين وغير متقبَّلين من قِبل زملائهم كما أنهم يشعرون بالتعاسة، وغير قادرين على تكوين أصدقاء، كما أنهم قد يشعرون أن زملائهم ينبذونهم، أنهم كما أن هؤلاء الأطفال يشعرون بالخوف أثناء وجودهم المدرسة ويملكون اتجاهات سلبية نحوها، وقد تكون درجاتهم منخفضة وليس لديهم دوافع ، ومن ثم فإنهم غالبًا لا يذهبون إليها، كما أن هؤلاء الأطفال قد يعانون من تأثير سلوك التنمر عليهم لفترة طويلة بَعد حدوثه وتوقفه، وبغض النظر عن أهمية توخي الحذر أثناء استغلال الدلائل والأسباب التي تدل على أن الضحية في وضعٍ من الممكِن أن يسبب لها مشكلات جديدة يواجهها الضحايا من الأطفال، فقد اتضح أن الطلبة الذين اعترفوا بتعرضهم لسلوك التنمر أكثر من مرة والذين لا يجدون الدعم الاجتماعي أنهم يواجهون خطرًا على صحتهم النفسية، واستنادًا إلى التحليلات البعدية الخاصة بالدراسات التي تم نشرها بين عامي 1978م – 1997 والتي عُنِيَت بدراسة العلاقة بين عدم القدرة على التكيف النفسي والاجتماعي وسلوك التنمر، فقد توصلت هذه الدراسات إلى أن الأطفال في جميع المراحل العمرية والذين هم ضحايا لمختلف صور التنمر يشعرون بمشاعر استياء كبيرة اجتماعية ونفسية، حيث إنهم دائمو القلق والاكتئاب ويشعرون بالتوتر الاجتماعي والوحدة، كما أنهم لديهم مشاعر غير إيجابية عن ذاتهم بالمقارنة بالأطفال الذين لا يتعرضون للتنمر.
وتعرُّض الأطفال للتنمر يترك فيهم أثرًا كبيرًا خاصة عند تعرُّض الأطفال الضحايا لسوء معاملة زملائهم، حيث إن سلوك التنمر يساهم ويؤثر في الصعوبات الداخلية التي يواجهها الأطفال مثل النبذ من أقرانهم، ويتضح هذا في ضعف التأثير الاجتماعي والكفاءة، وهذا عبارة عن حلقة مفرغة يتفاعل خلالها معاملة الآخرين السيئة مع سوء التقدير الذاتي.
والمتنمرون يتعرضون أيضًا إلى مخاطر سوء التكيف الاجتماعي، وبالرغم من كونه مختلفًا في طبيعته عن شعور ضحية التنمر إلا أن الباحثين قد أجمعوا على أن سلوك التنمر خلال فترة الطفولة من الممكِن أن يدوم أثناء مرحلة المراهقة، كما أن سلوك التنمر قد يتطور إلى أن يصبِح صورة من صور الجنوح خلال المراهقة، أو قد يؤدي إلى انخراط الشباب في سلوك العصابات التي تَقوم بارتكاب مختلف الجرائم والجنح، حيث إنه يوجَد ارتباط بين التكيف والتنمر.
وقد اتضح أن الأطفال الذكور المتنمرين في الصفوف من السادس وحتى التاسع قد تم اتهامهم في جرائم أكثر بأربع مرات عندما وصلوا لعمر الرابع والعشرين إذا ما تم مقارنتهم بالأطفال الذين لم يكونوا متنمرين ولا ضحايا، كما اتضح أن الأطفال المتنمرين لا يشعرون بالسعادة في المدرسة، كما أنهم يعانون من اضطرابات في الانتباه ويعانون من الاكتئاب عندما يصلون إلى عمر الشباب، وهناك باحثون آخرون قد توصلوا إلى أن الأطفال المتنمرين يعانون من ضعفٍ في تقدير الذات إذا ما تم مقارنتهم بالأطفال غير المتنمرين.
المتنمرون يميلون إلى أن يَظهروا وكأنهم أكبر عمرًا وأكثر قوة من زملائهم، كما أنهم يتمتعون بمستوى عالٍ من الثقة ويتميز سلوكهم بالاندفاعية، كما أن الذكور أكثر عرضة من الإناث لأن يصبِحوا متنمرين، ولكن تلك الفروق الموجودة بين الجنسين تستمر في التناقص حينما يُعنى الباحثون بصور التنمر البدني المختلفة مثل ما يتعلق به من صور الأذى الاجتماعي مثل الغيبة أو العزل، وقد لاحظ مجموعة من الباحثين تضاؤل شعبية المتنمر خلال تقدُّمه في العمر إذا ما تم مقارنته بشعبية الضحية، وأنه توجَد عوامل سلوكية تتعلق بأسرة الفرد المتنمر، حيث وُجد أنها غالبًا ما تكون تعاني من مستوى عالٍ من الخلافات والصراعات التي تتضمن العنف، كما تم ملاحظة أنها أسرة لا تتمتع بالارتباط والدفء ولا تملك حدودًا معَينة للسلوكيات، وأن المتنمر يعاني من حاجة إلى أن يكون مسيطرًا على الآخرين، وأن يكون دائم النشاط وسريع الاستثارة.
والأطفال سواء الضحايا أو المتنمرين هم الأكثر إهمالًا ونبذًا من زملائهم، كما أنهم يعانون من مشاكل كبيرة في التكيف في مختلف المجالات، كما يتسامح المجتمع كثيرًا في قضايا التنمر ويعدها من ضمن سلوكيات الطفولة العادية، وتلك النظرة ترفع من درجة شراسة الفرد المتنمر وتزيد عدد ضحاياه.
الخاتمة:
إن التنمر صار من أكثر الظواهر شيوعًا في العالم أجمع، وتلك الظاهرة تعَد من أخطر المشاكل التي تلقى اهتمامًا كبيرًا من المهتمين حول العالم أجمع، وهي التي تؤدي إلى كراهية الطلبة للدراسة، وفي مدارس كثيرة يتعرض معظم الطلبة إلى الوحشية والتنمر وقد تتحول جميع سلوكياتهم إلى سلوكيات خاطئة، والتنمر ظاهرة ليست بحديثة، حيث إنها قد تقابل الكثير من الأفراد، وهي تبدأ بالتدريج منذ مرحلة الطفولة وتستمر حتى وصول الفرد إلى عمر كبير، وبتلك الطريقة قد يتنمر الطلبة كافة على بعضهم البعض بوحشية وعنف، حيث إنهم قد يعتدون على بعضهم البعض سواء كان ذلك في مدخل المدرسة أو في حمامات السباحة أو في الاستراحة، ولهذا فإننا ننصح بتربية الأطفال منذ صغر سنهم على الأخلاق الحميدة وعدم اللجوء لسلوك التنمر مهما كانت الدوافع.