ما الذي يدفع الطالب للسرقة الأدبية
في الآونة الأخيرة، قد شهدت جامعات العالم العربي ظاهرة انتشار السرقة الأدبية سواء في أبحاث أعضاء هيئة التدريس أم في طلبة الدراسات العليا، وتُعتبر السرقة الأدبية أو الانتحال الأدبي صورة من صور النصب والغش الأكاديمي، وهي أن يَقوم شخص بادِّعاء أن أفكار الآخرين هي أفكاره الشخصية، وهي تمثل سطوًا على حقوق التأليف والنشر،وتكمن معضلتها الأساسية في عدم وضوح القوانين الخاصة بها، وتلك الظاهرة قد اتخذت صورًا وطرقًا وأشكالًا مختلفة، مباشرة وغير مباشرة، ظاهرة وغير ظاهرة،كما أن تلك الأشكال والطرق قد تطورت وصار استخدامها سهلًا مع تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
السرقة الأدبية:
هي أن يدَّعي شخص بشكل صريح أو ضمني بأنه قام بكتابة ما كتبه شخص آخر، أو أن يَقوم بنقل ما كتبه شخص آخر دون أن يعزو إليه الكلام بشكلٍ صريح، وذلك بهدف أن يَحصل على سمعة علمية أو عائد مادي.
عقوبات السرقة الأدبية:
تُعتبر السرقة الأدبية في المجتمع الأكاديمي مشكلة كبيرة، وينتج عنها عقوبات أكاديمية تأديبية تبدأ بأن يرسب الطالب في التكليف المحدد الذي حدثت به السرقة الأدبية أو في العام الدراسي بالكامل، وقد تصل إلى حد الفصل من الجامعة، وفي الغالب كلما ازداد سمو المستوى التعليمي للشخص ازدادت العقوبة، ولكن يمكِن النظر في شدة العقوبة في حالة إذا تبيَّن أن الطالب لم يكن يستوعب ماهية السرقة الأدبية بشكل واضح، أما في حالة إذا تكررت السرقة الأدبية فتكون العقوبة هي الفصل أو الإيقاف، كما أن الطالب الذي يَقوم بفعل السرقة الأدبية يقابل نقدًا أكاديميًا لاذعًا.
أسباب قيام الطلبة بالسرقة الأدبية:
قامت الكثير من الدراسات بالبحث في العوامل التي تؤدي بالطلاب إلى اتخاذ القرار بالسرقة الأدبية، وقد توصلت معظمها إلى أن السبب الأكثر شيوعًا لذلك هو أن الطلبة يسوِّفون الأعمال المطلوبة منهم، وقد توصلوا إلى توقع حدوث فعل السرقة الأدبية بعد ستة أشهر من التسويف، وأيضًا تَحدث السرقة الأدبية بسبب ضَعف أخلاقيات الباحث وغياب أمانته، وضَعف إمكانيات الطلاب في البحث وافتقارهم إلى أهم مبادئ البحث العلمي، وأيضًا تدني قدرة عضو هيئة التدريس على توجيه الطلبة إلى ضرورة التحلي بالأمانة العلمية، وضَعف الوازع الديني، وضَعف الجانب الأخلاقي، وضَعف القدرات الثقافية، والفقر في الإبداع والابتكار الفكري واللغوي، وعدم القدرة على التأليف والكتابة بشكلٍ يناسب الأبحاث العلمية، وسهولة التعامل مع شبكة الإنترنت والحصول من خلالها على أبحاث جاهزة دون أي عناءٍ من الكاتب أو الطالب ودون بذل أي جهدٍ في القراءة والبحث والاطلاع ودون علم الطالب بحقوق الملكية وقواعد التوثيق العلمي السليمة، وغياب الرادع القانوني وعدم تنفيذ إجراءات العقاب ضد مَن يَقوم بعملية السرقة الأدبية، وقيام بعض الأساتذة الكبار بممارسة ذلك السطو فيَكون قدوة لغيره من الأساتذة والطلبة في ظل غياب القانون، وانتقاد كتابة الطالب انتقادًا غير هادفٍ وهذا يعَد أهم أسباب تلك الظاهرة حيث أن انتقاد كتابة الطالب انتقادًا غير هادفٍ أو لاذعٍ يزج به في الهاوية ويبعده عن اكتساب العلم بشكلٍ صحيح ويُضعف قدراته العلمية والثقافية ويضعه أمام خيار واحد وهو الانتحال والسرقة الأدبية فيرتدي ثوبًا ليس له حتى ينأى بنفسه عن الشعور بالتثبيط والانتقاد المؤلم، وعدم وضوح مفهوم السرقة العلمية لدى الكثير من الباحثين مما يؤدي بهم إلى الوقوع فيها من غير قصدٍ وذلك يرجع إلى عدم الإلمام بمقتضيات الاقتباس الصحيحة، وتأجيل المهام الموكلة إلى الباحث وقِصَر الوقت، فإن تأجيل المهام لآخر أجل وعدم استغلال الوقت من قِبل الباحثين سيكون دافعًا وحافزًا قويًا للسرقة العلمية والوقوع في المحظور، وضَعف دور وسائل الإعلام المختلفة وخصوصًا العربية منها في إبراز الفساد في مجال البحث العلمي والكشف عن محاربته.
طرق السرقة الأدبية:
تتم السرقة الأدبية من خلال أساليب وطرق عديدة منها ضعف التوثيق وعدم صحته، والنقل الحَرفي من المراجع والكتب، وسرقة الأفكار وذلك بأن يَقوم طالب الدراسات العليا أو بعض أعضاء هيئة التدريس باجترار أفكار الآخرين وعدم إضافة الجديد بالنسبة للبحث العلمي، كما نتج عن هذا ضعف مجال البحث العلمي في الآونة الأخيرة، أو نقل المعارف والمعلومات الموجودة على شبكة الإنترنت من غير الإشارة إليها بعلامة اقتباس، وذكر مراجع في قائمة المراجع لم يتم استخدامها في البحث.
آثار تفشي ظاهرة السرقة الأدبية:
-نشأة جيل فارغ علميًا، صاحب عقول سطحية وهشة وغير منتجة، مما يؤثر بالسلب على دائرة التطور العلمي والتقدم الحضاري.
-القضاء على الإبداع والابتكار العلمي، وبالتالي القضاء على التطور البحثي والعلمي، وتلك النقطة ترجع في الأساس لتعمد الأساتذة انتقاد الطالب أو الباحث وتثبيطه، مما يقتل بداخله الإبداع والابتكار، ويتكيف ذهنيًا على العجز وعدم القدرة على الإنتاج والتطور العلمي.
-وصول السارق والمنتحل إلى أعلى المناصب العلمية والعملية بدون وجه حق بعدما أخذ جهد غيره.
-تكتسب الجهات العلمية المعنية والمؤسسات المسؤولة صورة سيئة لا يزول أثرها، وتصبِح مصدرًا علميًا غير موثوق فيما بعد.
-تطور الأمر لينتقل بعد ذلك الفساد في المجتمع بكل جوانبه المالي منها والاجتماعي والسياسي، حيث يعتاد ذلك المنتحل السرقة.
-السرقة الأدبية تندرج في شريعتنا الإسلامية تحت باب "أكل أموال الناس بالباطل"، لما في ذلك من تعدٍّ على حق الآخرين وسرقة جهدهم بدون وجه حق.
كيفية التصدي لظاهرة السرقة الأدبية:
-توثيق المراجع أثناء عملية البحث العلمي توثيقًا صحيحًا.
-نشر عقوبات السرقة الأدبية، وتعريف الطلاب بها، والتشديد على الالتزام باللوائح الخاصة بهذا الأمر من قِبل المؤسسة المختصة كالجامعة أو الكلية أو القسم.
-الإشارة بشكلٍ دائم إلى عمل الآخرين، كالرسومات العلمية والبيانية والجداول وما إلى ذلك، والإشارة إلى أفكارهم المقتبسة، وتوضيح انتساب ذلك العمل إليهم.
-توضيح حدود الاقتباس، وحدود استخدام الإنترنت من مقالات منشورة وغيرها، مع مراعاة ألا تزيد في النصوص المكتوبة عن 10% أو ألف كلمة، وتوضيح تلك الفقرات باستخدام الأقواس أو الخط المائل إلى جانب ذكر المصدر والعناية بالتوثيق.
-صياغة ما قرأ بأسلوبه الشخصي وبفكره وفهمه المستقل بعيدًا عن نقله كما هو، ووضع تعبيرات ومفردات من قاموسه الشخصي، وهذا في الواقع يتوقف على الاستيعاب الكامل والفهم الصحيح لما يقرأ.
-الالتزام بوضع الكلام الذي تم اقتباسه بين علامتي تنصيص، حتى يتضح للقارئ أنه من تأليف غيره وليس من تأليفه الشخصي.
-اهتمام المؤسسات الأكاديمية بتحديد موضوعات البحوث للطلاب في وقتٍ مبكر، حتى يتسنى للطلاب التعمق في البحث والقراءة وفرز المعلومات وتحليلها، ووضع بصمتهم المعرفية حتى لا يَقوموا بمجرد جمع المعلومات وترتيبها فقط.
-تشجيع الطلاب على القراءة والاطلاع، وتنويع مصادرهم ومراجعهم حتى يبتعدوا تدريجيًا عن مجرد القص واللصق من المجلات والمقالات المنشورة إلكترونيًا.
-الإبداع والابتكار من قِبل الأستاذ الجامعي، والعمل على وضع قوانين جديدة للأبحاث بشكل ٍ دائم ومستمر، بحيث يَصعب تداولها وتنقلها بين الطلاب أو بيعها وشرائها.
-التوجه إلى التوعية الدينية والأخلاقية بجانب الإجراءات القانونية التي ينبغي أن يتم اتخاذها من قِبل الدولة والمؤسسات العلمية للحد من انتشار تلك الظاهرة.
-نشر الوعي الثقافي الذي يعمل على تعليم الطالب والباحث منهجية البحث العلمي، والتركيز على الالتزام بذكر المصادر والمراجع، وإحالة الأفكار إلى أصحابها بكل أمانة، وتوثيق ذلك في هوامش العمل البحثي.
-دعم مبادرات التعاون المشترك بين الجامعات الوطنية من أجل توحيد المقاييس العلمية في المنهجية، خاصة تلك التي تميز بين السرقة الأدبية وما يشابهها من مصطلحات مثل الاقتباس، التلخيص، إعادة الصياغة.
-القيام بعمل مؤتمرات وورش عمل لنشر الوعي في تلك القضية، والحديث عن حقوق الملكية الفكرية والأمانة العلمية والتطرق للحديث عن العقوبات الواقعة على منتحل المادة الأدبية كي تكون رادعة لمن توسل له نفسه.
-التزام المؤسسات العلمية والأكاديمية بتنفيذ وإيقاع العقوبات، وعدم التراخي في ذلك الأمر تحت أي ظرفٍ من الظروف.