أهمية التدقيق اللغوي للرسائل العلمية
لقد افتقدنا في أيامنا هذه المهندس اللغوي والطبيب الشاعر والمعلم المتذوق للشعر، وصارت حجتنا في تبرئة أنفسنا "التخصص"، فهذا محامٍ وليس لغويًا، وذاك موظف وليس من أهل الصرف، ونحن لا ننكر ما للتخصص من أهمية في إتقان العلوم والتبحر فيها، ولكن ما لا يُدرَك كله لا يُترك كله؛ وإتقان اللغة العربية قاعدة يتم عليها بناء بقية العلوم، ونحن لا نطلب المستحيل.
أهمية التدقيق اللغوي:
في حقيقة الأمر أن هممنا قد فترت وعزائمنا قد ضعفت، وأصبحنا نلجأ إلى اليسير الذي لا جهد في تحصيله، حتى وصلنا إلى مرحلة صار التحدث فيها بالفصحى تكلفًا، ومحاربة الخطأ اللغوي الشائع مغالاة، وصار جمع كبير ينادي بتبسيط النحو، وحذف كثير من مباحثه، وواقع الأمر أن هممنا قد ضعفت وعزائمنا قد قصرت، وصرنا نركن إلى السهل.
أهمية اللغة:
-
اللغة هي التي تميز بني البشر عن بقية الكائنات الحية من حيث القدرة على التفاهم والاتصال بين الآخرين وأبناء الشعوب.
-
تتيح للفرد مكانة خاصة في مجتمعه.
-
تتيح للفرد من خلال نظامها الترميزي سيطرة لا حد لها.
-
تعَد كالوعاء الذي يختزن التجارب الإنسانية التي تنفع الفرد.
-
تنشئ رأيًا عامًا متشابهًا للمجتمع حول قضاياه الكبيرة والصغيرة.
-
لها دور رئيسي في التعرف على مشكلات الأشخاص في التحليل النفسي.
-
تعبير الشخص عن ذاته من ثقافة وأفكار ومشاعر.
وظائف اللغة:
وظائف اللغة تقوم على أسس كثيرة ومتنوعة وهي:
-
التواصل الاجتماعي: وهي عملية مهمة وضرورية بين أبناء البشر لأنها توصلهم ببعضهم البعض من خلال اللغة والتبادل في الحوار والنقاش.
-
التواصل الذاتي: يعَد وظيفة مهمة لأن الفرد يعمل اتصاله بذاته داخليًا دون أن يناقش أحدًا في الحوار الذاتي كالتفكير والأحلام واليقظة.
-
تعمل اللغة على تزويد الفرد بالمعرفة والمعلومات واكتساب معلومات جديدة والإفادة منها في المجالات كافة.
-
تُعتبر اللغة هي الأداة التي تعمل على نقل الخبرة بواسطة الذهن والاستيعاب واكتساب المعارف، فعندما يَعلم الفرد شيئًا أو معرفة أو يَحدث معه حدث جديد فإنه يكتسب الخبرة، وعن طريق التجربة يكتسب معلومات جديدة.
-
تساعد اللغة على التفكير والتحليل والتمحيص وربط المعلومات ببعضها البعض، كما تعمل على زيادة المعلومات لدى الفرد، فالمؤلف أو الكاتب أو الشاعر يعبِّر عما يفكر وعما يشعر ويُظهِره للآخرين.
-
يتم استخدام اللغة في كثير من المراسم الاجتماعية كالمناسبات والأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية كالأفراح والأحزان، فهي تعبِّر عن هذه الظواهر الاجتماعية، ويتم استخدام اللغة في الكتابة والإبداع والتأليف والنقد والفلسفة وفي الصحافة، ولها دور كبير ولا سيما لدى الكتاب والتعبير عن آرائهم.
-
للغة وظيفة إخبارية إعلامية حيث أنه من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يَنقل معلومات جديدة ومتنوعة في نقل المعلومات والخبرات إلى أجيال متعاقبة.
-
الوظيفة الكبرى للغة هي أن تكون وسيلة اتصال بين البشر، ولقد قامت دراسات عديدة حول تحقيق هذه الوظيفة المهمة، وانعكس أثر هذه الدراسات في مظاهر كثيرة منها الاتصالات السلكية واللاسلكية والحاسوب والراديو والتليفزيون.
نشأة التدقيق اللغوي:
كانت البداية الأولى للتدقيق اللغوي في اللغة العربية عند إمام أهل الكوفة الكسائي الذي كان المؤلَّف الأول من نوعه وهو "ما تَلحن فيه العامة"، وقد كان الكسائي وغيره من أئمة اللغة يقفون في ذلك الوقت سدًا أمام اللحن الذي بدأ يَشيع في عصرٍ دخلت فيه طوائف من غير العرب إلى حواضرهم وبلدانهم حتى وصل الأمر بهذه الطوائف إلى اللحن في القرآن الكريم، وكثر اللحن بعد ذلك، وابتعد الناس عن نقاء اللسان العربي الأول، وطغت اللهجات الجديدة على العربية، تلك اللهجات التي صارت خليطًا من العربية البعيدة عن القواعد والفارسية والرومانية، ومن هنا انبرى علماء أجلاء يدافعون عن العربية وينفون عنها التحريف والتصحيف.
مناهج العلماء في تصحيح الأخطاء اللغوية وتدقيق النصوص:
قد انقسم الناس أمام منهج تصحيح الأخطاء اللغوية ومحاربتها في عصرنا إلى فرقٍ عدة، ويمكِن أن نتبين في مجتمعنا فرقًا عدة منها:
-
فريق يرى أن العربي المعاصر صار يخاف أن يتكلم بالفصحى، فإن تكلم قام له مَن يقول أخطات، وإن أتى بما يراه حسنًا قيل له هذه اللفظة من الخطأ الشائع، وهذه العبارة فيها خروج عن القاعدة المعروفة، فيرون من ذلك أنه لا داعٍ لهذه الضجة الكبرى فهذا تطور طبيعي للغة، ولا بأس بتوسيع المعاني وإضافة بعض المعاني إلى كلمات لم تَحملها من قَبل، وإن لم يكن بين الكلمة والمعنى الجديد رابط ويرون أنه لا يُحكم بالخطأ إلا على مَن خرج على قاعدة نحوية أو صرفية معروفة لذلك تجدهم يتوسعون في القياس جدًا، ويصححون كثيرًا من التراكيب والكلمات التي حكم بعض أهل اللغة والمجامع اللغوية -ونادرًا ما تفعل المجامع- بخطئها.
-
فريق ثانٍ يرى أن الأمر قد استفحل وتفاقم، وأننا صرنا أمام صدعٍ لا يُرجى رأبه، فليتم ترك الأمر على حاله، فاللغة قادرة على أن تحمي نفسها، فاللحن ليس أمرًا جديدًا عليها، لذلك تراهم يتجاوزون عن زلات الكتاب والخطباء مع عدم رضاهم في قرارة نفوسهم عن هذا الأمر، لذلك فقد شاع على ألسنتهم خطأ مشهور من غير صواب.
-
فريق ثالث يرى أن من واجب العربي الغيور على لغته أن يتحرى في كلامه الصواب، وأن لا يجد في نفسه غضاضة أن يَعود إلى الصواب بعد أن يُقال له أخطأت، ويرون أنه من واجبه أن يبحث عن الخطأ بنفسه، وأن يَعلم لماذا خطَّأ أهل اللغة هذا وصوَّبوا ذاك.
-
إن انتشار الخطأ وشيوعه ليس هو المرض نفسه بل هو عرض من أعراضه ونتيجة من نتائجه، فلا يستسيغ عقل أن نصنع كل دواء لمعالجة العرض ونعمي أبصارنا عن المرض، إن السبب الأول لشيوع الخطأ في عصرنا هو خوف العربي من تعلم مبادئ لغته واستصعابه لعلومها الشريفة من نحوٍ وصرف وبلاغة.
فائدة التدقيق اللغوي للرسائل العلمية:
-
يجب على العربي أن يلم بقواعد لغته العامة من منصوبات ومجرورات ومرفوعات، وأن يتعلم من لغته ما يمكِّنه من التمييز به بين كلامه وكلام الأعاجم، وما يساعده على تلاوة القرآن الكريم، وما يرشده إلى فهم ما يقرؤه من كلام رسول الله r ومن شعر العرب وسائر الكتب في مختلَف فنون العلم.
-
إن الأسلوب الذي أصبحت تُعرض به الأخطاء الشائعة أسلوبًا منفرًا لا يزيد الناس إلا بعدًا عن الصواب، فأكثر الذين كتبوا في الأخطاء الشائعة صاروا يكتفون عادةً بالكلمة التي تحوي الخطأ، ثم تقابلها الكلمة الصواب، وقد يزيد بعضهم سبب التخطئة في جملة قصيرة أو جملتين، وحجتهم في ذلك أن الإيجاز أوفق هنا وأقرب إلى الناس وإفهامهم، ولا يَعلمون أنهم بذلك يَجنون على اللغة وعلى أنفسهم، فقد صار العربي لا يقتنع بكلامهم ويقدِّم تعليله هو على تعليلهم؛ فيكون الأمر أفضل لو قاموا بتبسيط المسألة وإيجاد شواهد على كلامهم من كتاب الله وسنة رسوله r أو كلام العرب.
-
ويتم التدقيق اللغوي للأبحاث العلمية حتى يتم إبعاد عن البحث بعض الصيغ التي قد يُظَن أن بها انحراف عن جادة اللغة العربية وقواعدها السديدة.
-
يعَد التدقيق اللغوي من أكثر الخدمات في عملية إعداد البحث وإخراجه أهمية، ذلك أن عن طريق عملية التدقيق اللغوي يتم اكتشاف الأخطاء اللغوية التي أوردها الباحث في بحثه، ومن ثم العمل على إخراج البحث بأعلى جودة ممكِنة.