تُعد نظرية التعلم الاجتماعي من أهم النظريات النفسية والتربوية التي أسسها ألبرت باندورا؛ حيث تُركز على أن سلوك الإنسان يتشكل؛ من خلال الملاحظة والنمذجة وليس فقط التجربة المباشرة أو التعزيز الخارجي؛ وقد أحدثت هذه النظرية تحولًا كبيرًا في فهم كيفية اكتساب الأفراد للسلوكيات والمهارات، وإذ أبرزت دور العوامل الشخصية، الحالة النفسية، والبيئة الاجتماعية في التعلم.
نظرية التعلم الاجتماعي
نظرية التعلم الاجتماعي هي نظرية تركز على دور التفاعل الاجتماعي والظروف والمعايير والسياق الاجتماعي وتأثيرهم على عملية التعلم، فتعلم الفرد يتأثر بشكل كبير بمُحيطه الاجتماعي، واعتبرها البعض مزج بين نظرية التعزيز السلوكية وعلم النفس المعرفي الغرضي.
نشـأة نظرية التعلم الاجتماعي ومؤسسها
تُعد نظرية التعلم الاجتماعي من أبرز النظريات النفسية؛ التي تربط بين السلوك البشري والبيئة الاجتماعية؛ وقد نشأت هذه النظرية كرد فعل على محدودية النظريات السلوكية الكلاسيكية، والتي كانت تركز بشكل حصري على السلوك المرصود والتعزيز والعقاب، متجاهلة دور الإدراك، الملاحظة، والتعلم من الآخرين.
مؤسس النظرية: ألبرت باندورا
ألبرت باندورا (Albert Bandura) هو عالم النفس الكندي الأمريكي الذي أسس نظرية التعلم الاجتماعي في الستينيات، وولد باندورا عام 1925، وقدم خلال مسيرته العلمية إسهامات بارزة في علم النفس التربوي والاجتماعي، وأثبت أن التعلم لا يحدث فقط من خلال التجربة المباشرة بل أيضًا من خلال مراقبة سلوك الآخرين وتبنيهم كنماذج يحتذى بها.
نشأة النظرية في سياق علم النفس
تأثير السلوكية التقليدية
في البداية، اعتمد علم النفس السلوكي على فكرة أن التعلم يحدث من خلال المكافأة والعقاب، ولاحظ باندورا أن هذا النموذج لا يفسر جميع أنواع التعلم، خاصة تلك المتعلقة بـ التعلم بالملاحظة والقدوة.
دراسة التعلم بالملاحظة والنمذجة
ركز باندورا على التعلم بالملاحظة (Observational Learning)، حيث يمكن للفرد تعلم سلوك جديد أو تعديل سلوك موجود بمجرد مراقبة الآخرين، دون الحاجة لتجربة مباشرة، وأشهر تجاربه هي تجربة دمية بوبو (Bobo Doll Experiment)، التي أثبتت أن الأطفال يتعلمون السلوك العدواني من خلال مراقبة الكبار، مما دعم أهمية التعلم الاجتماعي والنمذجة في تطوير السلوك.
تأسيس المبادئ الأساسية لنظرية التعلم الاجتماعي
حدد باندورا أن التعلم الاجتماعي يعتمد على التفاعل بين السلوك، البيئة، والعوامل الشخصية، وهو ما يُعرف بـ النموذج الثلاثي التفاعلي (Reciprocal Determinism)، وهذا النموذج يوضح أن السلوك لا يتشكل فقط بفعل البيئة، بل هناك تأثير متبادل بين الفرد والبيئة والسلوك نفسه.
اطلع على: النظرية البنائية لجان بياجيه
أبرز رواد نظرية التعلم الاجتماعي
نظرية التعلم الاجتماعي ليست مجرد فكرة فردية بل هي نتاج مساهمات عدد من العلماء؛ الذين ساهموا في تطوير مفهوم التعلم بالملاحظة والنمذجة وفهم العلاقة بين الفرد والبيئة والسلوك؛ وفيما يلي أبرز رواد هذه النظرية:
ألبرت باندورا (Albert Bandura)
-
المؤسس الرئيسي للنظرية، ولد عام 1925 في كندا، ويُعد من أبرز علماء النفس في القرن العشرين.
-
ركز على التعلم بالملاحظة (Observational Learning) وأظهر من خلال تجارب مثل تجربة دمية بوبو (Bobo Doll Experiment) أن الأطفال يمكن أن يكتسبوا سلوكيات جديدة بمجرد مشاهدة سلوك الآخرين، سواء كان سلوكًا إيجابيًا أو سلبيًا.
-
قدم مفهوم النموذج الثلاثي التفاعلي (Reciprocal Determinism)، الذي يوضح العلاقة المتبادلة بين الفرد، البيئة، والسلوك.
ريتشارد وولف (Richard Walters)
-
أحد الباحثين الذين ساهموا في توسيع نظرية التعلم الاجتماعي بعد باندورا.
-
ركز على التأثيرات طويلة المدى للنماذج الاجتماعية، مثل تأثير الأسرة والمدرسة والمجتمع على سلوك الفرد.
-
ساعد في تطبيق النظرية على السلوك العدواني والتكيف الاجتماعي لدى الأطفال والمراهقين.
جوليان روتل (Julian Rotter)
-
قدم مفهوم المتغيرات الإدراكية والسلوك الموجه نحو الهدف (Locus of Control & Expectancy Theory)، والذي ساعد على ربط السلوك بالمعتقدات والتوقعات الفردية.
-
ساهمت أفكاره في توسيع فهم التعلم الاجتماعي ليشمل التأثير النفسي الداخلي للفرد على التعلم والسلوك، وليس فقط الملاحظة الخارجية.
والتر ميشيل (Walter Mischel)
-
ركز على دور الإدراك والظروف الموقفية في التعلم.
-
ساهم في تطوير فكرة أن السلوك لا يتحدد فقط بالسمات الشخصية الثابتة، بل يتأثر بالمواقف والبيئات المختلفة.
-
ساعدت أبحاثه في توضيح المرونة في التعلم والسلوك الاجتماعي وكيف يمكن تعديل السلوك عبر ملاحظة النماذج الملائمة.
روبرت بوشارد (Robert Buschard) وآخرون
-
ركز بعض الباحثين المعاصرين على دمج النظرية مع الأبحاث العصبية والإدراكية.
-
ساهموا في تطبيق النظرية على التعليم، العلاج النفسي، وتطوير الشخصية باستخدام تقنيات التعلم بالملاحظة والنمذجة في بيئات واقعية.
-
أهمية نظرية التعلم الاجتماعي
تُعد نظرية التعلم الاجتماعي لألبرت باندورا من أبرز النظريات في علم النفس والتربية؛ حيث تُبرز العلاقة بين السلوك الفردي والبيئة الاجتماعية؛ وقد أظهرت النظرية أن التعلم لا يقتصر على التجربة المباشرة فقط بل يشمل ملاحظة الآخرين ومحاكاة سلوكياتهم، ما يجعلها ذات أثر واضح في التعليم، الإرشاد النفسي، وتنمية المهارات الاجتماعية.
فضلاً عن تأثيرها في المجال النفسي وعلماء النفس، وأثبتت النظرية أهميتها في الحياة التعليمية والاجتماعية؛ حيث أصبح واضحًا أن نمذجة السلوكيات الإيجابية تلعب دورًا فعالًا في تربية الأطفال وتوجيههم اجتماعيًا وسلوكيًا؛ وقد أسست نظرية التعلم ال اجتماعي ثلاثة مفاهيم رئيسية:
1. إمكانية التعلم عبر مراقبة سلوكيات الآخرين
أثبتت تجربة دمية بوبو الشهيرة لباندورا أن الأطفال قادرون على تعلم ومحاكاة السلوكيات التي يقوم بها البالغون. فعند مشاهدة الأطفال لسلوك عدواني من أحد البالغين تجاه الدمية، قاموا لاحقًا بتكرار نفس السلوك العدواني.
حدد باندورا ثلاثة أنماط للتعلم المرئي
-
النمط المباشر تنفيذ الشخص للسلوك المطلوب بشكل عملي.
-
نمط الإرشاد اللفظي التعلم من خلال وصف أو شرح السلوك.
-
النمط الرمزي التعلم من خلال شخصيات حقيقية أو رمزية في الكتب، البرامج التلفزيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي.
-
-
2. أهمية الحالة النفسية كعنصر فعال بالتعلم
لا يقتصر التعلم على الملاحظة فقط، بل تلعب الدوافع الداخلية والحالة النفسية للفرد دورًا محوريًا في اكتساب السلوكيات.
-
يختلف هذا عن النظريات السلوكية التقليدية التي ركزت على التعزيز الخارجي، حيث أشار باندورا إلى أن المكافآت الداخلية، مثل الشعور بالرضا أو الإنجاز، تُسهم بشكل كبير في تعزيز التعلم.
-
صنف باندورا نظرية التعلم الاجتماعي كـ نظرية وعي مجتمعية، تربط بين الخبرة الفردية والسلوكيات المكتسبة من البيئة الاجتماعية.
-
-
3. التعلم لا يقتضي حدوث تغيير فوري في السلوك
أثبتت النظرية أن التعلم يمكن أن يحدث دون ظهور تغير ملموس في السلوك مباشرة.
-
فعلى سبيل المثال، قد يتعلم الطفل ركوب الدراجة أو رمي القوس دون أن يظهر التغيير إلا عند محاولة تنفيذ الفعل.
-
هذا المفهوم يُميز التعلم الاجتماعي عن التعلم السلوكي التقليدي، حيث يركز الأخير على التغيير الفعلي في السلوك كنتيجة مباشرة للتعلم.
-
-
تطبيقات نظرية التعلم الاجتماعي
-
التعليم والتربية
-
تصميم أنشطة تعليمية تعتمد على النمذجة والملاحظة، وتطوير بيئات تعليمية تشجع على التفاعل والممارسة العملية.
-
-
التعليم والتربية الإرشاد النفسي والعلاج
-
مساعدة الأفراد على تعديل السلوكيات السلبية عبر مراقبة نماذج إيجابية، ودعم الأطفال والمراهقين في مواجهة الصراعات النفسية والاجتماعية.
-
-
-
-
الحياة الاجتماعية
-
تعزيز السلوكيات الاجتماعية الإيجابية من خلال الملاحظة والنمذجة، واستخدام النظرية لفهم تأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على سلوكيات الأفراد.
-
أبرز الانتقادات على نظرية التعلم الاجتماعي
انتقد العديد من علماء النفس نظرية التعلم الاجتماعي، وفيما يلي أبرز الانتقادات المُوجهة لهذه النظرية:
لا يوجد وجه تشابه بين النموذج المُستخدم بالتجربة، الذي يكون في أغلب الأحوال شخص غريب، النموذج الذي يُراقب الطفل أفعاله في كثير من الأحيان مثل الأب أو المُعلم، وبذلك يختلف تفاعل الطفل مع هذا الشخص الغريب مما يُسفر بالتأكيد عن نتائج مُختلفة.
تبين أن قابلية الأطفال الذين لم يسبق لهم اللعب بالدُمية المُستخدمة بتجربة باندورا "بوبو" كانت خمسة أضعاف قابلية الأطفال المُعتادين على اللعب مع هذه الدمية؛ مما يُرجح أن القيمة الجديدة المُضافة للتجربة قد حفزت الأطفال على تقليد السلوك.
أن التجربة اهتمت بقياس الأثر الفوري السريع، وبذلك لا يُمكننا اكتشاف الأثر طويل المدى للتعلم المرئي؛ كما ادعى البعض أن تجارب باندورا غير أخلاقية، ولا يُمكننا أبدًا التحقق من العواقب طويلة التي قد يُعانيها الأطفال نتيجة لخضوعهم لهذه التجربة.
ركز باندورا اهتمامه الرئيسي على المؤثرات الظاهرية وتجاهل العوامل الداخلية التي تؤثر تأثيرًا لا يُمكن تجاهله على سلوكيات الفرد مثل الصراعات النفسية.
تعرف على: نظرية الذات في علم النفس لكارل روجرز pdf
الأسئلة الشائعة عن نظرية التعلم الاجتماعي
1. ما هي نظرية التعلم الاجتماعي؟
هي نظرية أسسها ألبرت باندورا تركز على أن الأفراد يتعلمون السلوكيات والمهارات من خلال مراقبة الآخرين، وليس فقط عبر التجربة المباشرة أو التعزيز الخارجي.
2. من هو مؤسس نظرية التعلم الاجتماعي؟
المؤسس الرئيسي هو ألبرت باندورا (Albert Bandura)، عالم النفس الكندي الأمريكي، الذي قدم مفهوم التعلم بالملاحظة والنمذجة وأجرى تجارب مشهورة مثل تجربة دمية بوبو.
3. ما هي المبادئ الأساسية للنظرية؟
التعلم يحدث عبر ملاحظة سلوك الآخرين.
الحالة النفسية والدوافع الداخلية تؤثر على التعلم.
التعلم لا يعني بالضرورة حدوث تغيير فوري في السلوك.
السلوك يتأثر بـ العوامل الشخصية والبيئية معًا (النموذج الثلاثي التفاعلي).
4. ما هي أهم التطبيقات العملية للنظرية؟
-
في التعليم: تصميم أنشطة تعليمية تعتمد على النمذجة والملاحظة.
-
في الإرشاد النفسي: تعديل السلوكيات السلبية لدى الأطفال والمراهقين.
-
في الحياة الاجتماعية: فهم تأثير وسائل الإعلام والنماذج الاجتماعية على السلوك.
-
5. من أبرز رواد النظرية؟
-
ألبرت باندورا (المؤسس).
-
ريتشارد وولف: دراسة تأثير النماذج الاجتماعية على الأطفال.
-
جوليان روتل: الربط بين التوقعات الفردية والسلوك.
-
والتر ميشيل: التأثير الإدراكي والظروف الموقفية على السلوك.
-
6. هل يمكن تعلم السلوك دون ملاحظة الآخرين؟
نعم، يمكن التعلم من خلال التجربة المباشرة، لكنه أقل كفاءة مقارنة بالتعلم بالملاحظة والنمذجة، حيث أن الملاحظة تساعد الفرد على اكتساب مهارات وسلوكيات جديدة بسرعة وأمان.
7. ما الفرق بين التعلم الاجتماعي والتعلم السلوكي التقليدي؟
التعلم السلوكي التقليدي يعتمد على التعزيز والعقاب لتغيير السلوك.
-
التعلم الاجتماعي يعتمد على الملاحظة والنمذجة، ويأخذ في الاعتبار العوامل النفسية الداخلية والبيئية، وليس فقط المكافأة أو العقاب.
-
-
8. ما تأثير وسائل الإعلام على التعلم الاجتماعي؟
وسائل الإعلام تعد نماذج قوية للتعلم بالملاحظة، فهي تؤثر على سلوك الأطفال والمراهقين، سواء بالإيجاب (تعليم مهارات اجتماعية) أو بالسلب (تعلم السلوكيات العدوانية)
نظرية التعلم الاجتماعي pdf
يمكنك الحصول على نسخة من ملف نظرية التعلم الاجتماعي pdf عبر الضغط هنا.
تُظهر دراسة نظرية التعلم الاجتماعي أن التعلم عملية مركبة تتضمن الملاحظة، الحالة النفسية، والعوامل البيئية؛ وأن الأفراد قادرون على اكتساب السلوكيات والمهارات دون الحاجة لتجربة مباشرة؛ وقد أسهمت النظرية في تحسين أساليب التعليم والتربية، تصميم البرامج الإرشادية، وفهم تأثير وسائل الإعلام على السلوك، وتقدم شركة سندك للباحثين خدمات البحث العلمي ، ويمكنك التواصل عبر الواتساب.
