نظرية النمو النفسي الاجتماعي
تُعد نظرية النمو النفسي الاجتماعي أحد النظريات المُفسرة للنمو النفسي للشخصية البشرية والتي سلطت الضوء على أهمية الجوانب الاجتماعية بتطور ونمو الشخصية، وتُعتبر هذه النظرية بمثابة إطار نظري يوضح مراحل تطور النفس البشرية بجميع مراحل حياتها وتؤكد على الطبيعة الاجتماعية للبشر والأثر الفعال للعلاقات الاجتماعية على التنمية البشرية.
نشأة نظرية النمو النفسي الاجتماعي ومؤسسها
نُسبت نظرية النمو النفسي الاجتماعي إلى العالم النفسي إريك إريكسون ذو الأصول الدنيماركية الألمانية الأمريكية، والذي تتلمذ ودرس نظرية فرويد النفسية الجنسية على يد آنا فرويد التي كلفته بتعليم الفن للأطفال الأمريكيين المُقيمين في فيينا لدراسة منهج فرويد مما أتاح له فرصة التبحر في منهج التحليل النفسي لفرويد على يد تلامذته، ولكن بعدما هاجر إريكسون لممارسة التحليل النفسي في نيويورك، اصطدم بعدم قدرته على تطبيق نظرية فرويد على أرض الواقع، حيث اكتشف أن الغالبية العظمى من مرضاه يُعانون من عقد واضطرابات نفسية لا علاقة لها بالأصل الجنسي كما تزعم نظرية فرويد، بل تُعزى إلى الأمور الحياتية اليومية والقضايا الاجتماعية التي يُعاصرها المرضى، وحينها أدرك إريكسون بأن الوقت قد حان لتعديل وتطوير نظرية فرويد لمواكبة المُجتمع بمشكلاته الفعلية فاقترح نظريته الخاصة التي تناول بها مراحل النمو النفسي الاجتماعي الثمانية بدلًا من المراحل النفسية الجنسية الخمسة التي اقترحها فرويد.
أهمية وتطبيقات نظرية النمو النفسي الاجتماعي
على النقيض من نظرية فرويد التي كانت مُرتبطة بالنظام العضوي للفرد، كانت نظرية إريكسون ترتبط إلى حد كبير بخبرات التعلم للفرد على مدار فترات حياته، ويفترض إريكسون أن أي أزمة نفسية تحدث بأي فترة من الفترات الثمانية يجب حلها قبل الانتقال إلى أي مرحلة تالية حتى يستطيع الفرد أن يحيا بسلام، وفيما يلي مراحل نمو الشخصية الثمانية لإريكسون:
أولًا. مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة
تبدأ هذه المرحلة منذ الولادة وحتى اثنا عشر شهرًا، وخلال هذه المرحلة يتعلم الأطفال الوثوق في البالغين، وتُبنى هذه الثقة بنفس الطفل نتيجة لتلبية البالغين لاحتياجات الطفل الأساسية، وبذلك يتعلم الأطفال الاعتماد على البالغين من حولهم لتلبية احتياجاتهم ويتمكن البالغين من تعزيز هذه الثقة لدى أطفالهم عبر مُراعاتهم والاستجابة لمتطلباتهم، وبالتالي يبدأ الطفل بالشعور بالأمان تجاه هذا العالم؛ والجدير بالذكر أن تجاهل البالغين للأطفال وعدم تلبية متطلباتهم الأساسية أو التعامل معهم بقسوة يولد بداخلهم مشاعر القلق والخوف وانعدام الثقة، وبذلك يرى الطفل العالم كمكان غير مأمون ولا يستطيعون الوثوق بمن حولهم.
ثانيًا. الحكم الذاتي مقابل الشك
تبدأ هذه المرحلة من سن عام واحد وحتى ثلاثة أعوام، وخلال هذه المرحلة يبدأ الأطفال باستكشاف العالم من حولهم ويتعلمون أنه يُمكنهم التحكم بتصرفاتهم وأفعالهم للوصول إلى النتائج التي يرغبون بها، ويبدؤون التعرف على ما يحبونه ويُفضلونه من الطعام والشراب والمأكل والملبس، وتكون المُهمة الرئيسية للطفل خلال هذه المرحلة هي إثبات استقلاليته، فعلى سبيل المثال نُلاحظ أن الطفل خلال هذه المرحلة يميل إلى اختيار ثيابه وألعابه بنفسه؛ وعلى الرغم من عدم مُناسبة اختيارات الطفل في بعض الأحيان، إلا أن حرمانه منها يؤثر سلبًا على شعوره بالاستقلالية، فإذا حُرم الطفل من فرصة التصرف والاختيار يبدأ بالتشكيك بقدراته الشخصية مما قد يؤدي بدوره إلى تدني مستويات الثقة بنفسه واحترامه لذاته.
ثالثًا. المُبادرة مقابل الشعور بالذنب
تبدأ هذه المرحلة من سن الثالثة وحتى سن السادسة، أي مرحلة ما قبل المدرسة، وخلال هذه المرحلة ويُصبح الأشخاص قادرين على الشروع في النشاط بأنفسهم وتأكيد السيطرة على عالمهم عبر التفاعلات الاجتماعية مع من حولهم؛ ويعتقد إريكسون بأنه يجب على الأطفال تخطي هذه المرحلة عبر تعلم التخطيط من أجل تحقيق أهدافهم أثناء تفاعلهم مع الآخرين، ولذا يجب على الوالدين السماح لأطفالهم بالاستكشاف ودعمهم بالاختيار من أجل تعزيز ثقتهم بالنفس والإصرار على تحقيق الهدف، وإلا ستنشأ لديهم مشاعر الذنب كما هو الحال مع الوالدين المُسيطرين الذين يكبحون ويتحكمون بأطفالهم.
رابعًا. الاجتهاد مقابل الدونية
تبدأ هذه المرحلة من سن السادسة وحتى الثانية عشر، وخلال هذه المرحلة يبدأ الأطفال بمقارنة أنفسهم بأقرانهم لقياس مدى تطورهم وتقييم إنجازهم بشتى مناحي حياتهم بما في ذلك الواجبات المدرسية والرياضة والحياة الأسرية والأنشطة الاجتماعية، فإما أن يشعروا بالإنجاز أو بالدونية وعدم الكفاءة، لذا يجب أن يتعلم الأطفال خلال هذه المرحلة مفهوم التعايش حتى لا تتطور لديهم عقدة النقص وتنتقل معهم إلى مرحلة المراهقة والبلوغ كما هو الحال مع الأطفال الذين يُعايشون المشاعر السلبية مع أسرتهم وأقرانهم أو من يُعانون من العنف المنزلي والتنمر.
خامسًا. الهوية مقابل اضطرابات الهوية
تبدأ هذه المرحلة من سن الثانية عشر وحتى الثامنة عشر، ويعتقد إريكسون أنه خلال هذه المرحلة تكون المهمة الرئيسية للمُراهق هي تنمية الشعور بالذات، فالمُراهقون يواجهون خلال هذه المرحلة أسئلة " من أنا؟" و"ما هي أهدافي المُستقبلية؟ أو ماذا أُريد أن أنجز بحياتي؟"، فإذا تجاوز المراهق هذه المرحلة بنجاح، يتمكن من مواصلة حياته وهو مؤمن بمعتقداته وقيمه الشخصية وقادر على مواجهة التحديات ووجهات نظر البالغين، أما إذا خرج المُراهق من هذه المرحلة بمشاعر السلبية واللامبالاة ودون البحث عن هويته أو تعرضوا لضغوطات للخضوع لتوجهات وأفكار والديهم، تتطور لديه مشاعر ضعف الذات والارتباك والقلق، ويواصل حياته وهو غير مُتأكد من هويته.
سادسًا. الألفة مقابل العزلة
تبدأ هذه المرحلة من سن الثامنة عشر وحتى سن الأربعين، وتعتمد اعتمادًا كبيرًا على المرحلة السابقة، فبتطور الإحساس بالذات بمرحلة المُراهقة، يُصبح مُستعدًا على مُشاركة حياته مع الآخرين، أما إذا لم ينجح باجتياز المرحلة السابقة بنجاح، فسيُواجه تحديات وصعوبات ببناء علاقات ناجحة مع الآخرين خلال مرحلة الشباب، ويعتقد إريكسون أنه يجب أن يتمتع الشخص بشعور قوي بالذات حتى يتمكن من بناء علاقات ناجحة.
سابعًا. الإنتاجية مقابل الركود
عندما يصل الفرد إلى سن الأربعين، وهي مرحلة يُطلق عليها مرحلة البلوغ الوسطي وتمتد حتى مُنتصف الستينات، تكون المهمة الأساسية التي يسعى لإنجازها هي الإنتاج حيث يسعى الشخص إلى العثور على عمله وتطوير ذاته ومُساعدة الآخرين عبر أنشطة التطوع والإرشاد وتربية الأطفال والمُشاركة بمجتمعهم بفعالية ويسعون أيضًا إلى تنشئة الجيل التالي، أو باختصار يسعى إلى ترك بصمته بالعالم؛ وإذا لم يتمكن الفرد من تحقيق مهمته، يشعر بالركود وعدم الإنتاجية والعزلة عمن حوله.
ثامنًا. النزاهة مقابل اليأس
تبدأ هذه المرحلة من مُنتصف الستينيات وحتى نهاية العمر ويُطلق عليها مرحلة البلوغ المُتأخرة، ويعتقد إريكسون أن الأشخاص بهذه المرحلة يستغرقون بالتأمل بحياتهم ويُسيطر عليهم إما الشعور بالرضا أو الفشل، فإذا سيطر عليهم الشعور بالرضا يشعرون بالنزاهة والفخر تجاه ما أنجزوه بحياتهم، أما إذا سيطر عليهم الشعور بالفشل فيشعرون بالأسف على ما مضى من حياتهم ويشعرون بأن حياتهم قد ذهبت سدى.
خلاصة الأمر، يعتقد إريكسون بأن تطور الإنسان يحدث نتيجة للأحداث الاجتماعية والثقافية التي تدور من حوله، وأن عملية التطبع الاجتماعي تتأثر بالعوامل الاجتماعية الخارجية، وأن كل مرحلة من هذه المراحل تُعتبر بمثابة أزمة نفسية تتطلب حلها قبل الانتقال إلى المرحلة التالية.
أبرز الانتقادات على نظرية النمو النفسي الاجتماعي
من أولى الانتقادات المُوجهة لنظرية النمو النفسي أن إريكسون لم يوضح بدقة آليات حل النزاعات والانتقال من مرحلة إلى أخرى، ولم تتمكن النظرية أيضًا من تحديد نوع التجارب اللازمة لضبط كل مرحلة ولحل النزاعات بنجاح من أجل الانتقال إلى المرحلة التالية.